إن التحابب في الله تعالى و الأخوة في دينه من أعظم القربات ، و لها شروط
يلتحق بها المتصاحبون بالمتحابين في الله تعالى ، و بالقيام بحقوقها يتقرب
إلى الله زلفى ، و بالمحافظة عليها تنال الدرجات العلى ، قال تعالى : " و
ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ
الله ألّف بينهم " ( الأنفال 63)
قال ابن مسعود رضي الله عنه : هم
المتحابون في الله
و في رواية : نزلت في المتحابين في الله (رواه
النسائي و الحاكم و قال صحيح)
قال بعضهم :
وأحبب لحبّ الله من كان
مؤمنــــا *** و أبغض لبغض الله أهل التّمرّد
وما الدين إلا الحبّ و
البغض و الولا *** كذاك البرا من كل غاو و معتدى
قال ابن رجب رحمه الله
تعالى :
و من تمام محبة الله ما يحبه و كراهة ما يكرهه ، فمن أحبّ شيئا
مما كرهه الله ، أو كره شيئا مما يحبه الله ، لم يكمل توحيده و صدقه في
قوله لا إله إلا الله ، و كان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما أحبه
الله ، و ما أحبه مما يكرهه الله
و قال ابن القيم رحمه الله :
من
أحبّ شيئا سوى الله ، و لم تكن محبته له لله ، و لا لكونه معينا له على
طاعة الله ، عذب به في الدنيا قبل اللقاء كما قيل :
أنت القتيل بكل من
أحببته *** فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
________________________________________
**
ثمرات و فضائل المحبة في الله **
للمحبة في الله ثمرات طيبة يجنيها
المتحابون من ربهم في الدنيا و الآخرة منها:
1) محبة الله تعالى :
عن
معاذ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "قال
الله تبارك و تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، و المتجالسين فيّ و
المتزاورين فيّ ، و المتباذلين فيّ " (رواه مالك و غيره )
و قول الملك
للرجل الذي زار أخا له في الله :"إني رسول الله إليك بأنّ الله قد أحبّك
كما أحببته فيه"
2) أحبهما إلى الله أشدّهما حبا لصاحبه :
عن
أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال :" ما من رجلين تحابا في الله إلا كان
أحبّهما إلى الله أشدّهما حبا لصاحبه " (رواه الطبراني )
3)
الكرامة من الله :
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : " ما من عبد أحبّ عبدا لله إلا أكرمه الله عز وجل " (
أخرجه أحمد بسند جيّد)
وإكرام الله للمرء يشمل إكرامه له بالإيمان ،
والعلم النافع ، والعمل الصالح ، و سائر صنوف النِّعم
4) الاستظلال
في ظلّ عرش الرحمن :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : "إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون
بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ( رواه مسلم) ، قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " :" فقوله : أين
المتحابون بجلال الله ؟ تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله و تعظيمه مع
التحاب فيه ، و بذلك يكونون حافظين لحدوده، دون الذين لا يحفظون حدوده لضعف
الإيمان في قلوبهم "
و عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : " سبعة يظلهم الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظله :
إمام عادل ، و شاب نشأ في عبادة الله ، و رجل
قلبه معلّق بالمساجد ، و
رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرّقا عليه …" ( متفق عليه)
5)
وجد طعم الإيمان :
قال عليه الصلاة و السلام : " من أحبّ أن يجد طعم
الإيمان فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله ( رواه الحاكم و قال : صحيح الإسناد و
لم يخرجاه و أقرّه الذهبي)
6) وجد حلاوة الإيمان:
عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من سرّه
أن يجد حلاوة الإيمان، فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله" ( رواه أحمد و الحاكم
و صححه الذهبي )
و عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : " ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله
أحبّ إليه مما سواهما ، و أن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله ، و أن يكره أ
يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار " (متفق
عليه)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى":" أخبر
النبي صلى الله عليه و سلم أنّ هذه الثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان ،
لأنّ وجد الحلاوة بالشيء يتبع المحبة له ، فمن أحبّ شيئا أو اشتهاه ، إذا
حصل له مراده،فإنه يجد الحلاوة و اللذة و السرور بذلك و اللذة أمر يحصل
عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى … فحلاوة الإيمان ، تتبع
كمال محبة العبد لله ، و ذلك بثلاثة أمور : تكميل هذه المحبة ،و " تفريعها" أن يحب المرء لا يحبه إلا
لله
و "دفع ضدها " أن يكره ضدّ الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في
النار و تفريعها ،
و دفع ضدها
"فتكميلها" أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما ،
فإن محبة الله و رسوله لا يكتفى فيها بأصل الحبّ ، بل لا بدّ أن يكون الله و
رسوله أحبّ إليه مما سواهما
"